لا ينام أحدنا وجاره جوعان وملابسنا نغسلها في البحر
"مسطاح البنات" ملتقى النساء في العيد
أجرى الحوار: محمد المراغي
لقاؤنا لهذا الأسبوع مع الوالد حسن بن غانم السليطي العبدالرحمن ليروي لنا عن ذكريات الماضي وحكايات تصور لنا كيف كانت حياة أجدادنا في ظل صعوبة الحياة في تلك الفترة وقلة الموارد التي يعتمد عليها أهالينا في تلك الحقبة من الزمان، جريدة الشرق كانت حاضرة لتنقل للناس عن ماضي قطر العريق قبل ظهور النفط.
الطفولة مرحلة لها عالمها الخاص وذكرياتها مليئة بالأحداث التي تبقى في ذاكرة الإنسان ولا تنمحي .
حدثنا عن هذة المرحلة بكل خصوصيتها؟
طفولتي كانت في الماضي كطفولة اي طفل يعيش هذه المرحلة، وانا ولدت وترعرعت في منطقة سلطة القديمة حيث نشأت في وسط أسرة يفعمها كل معاني الحب، وعندما بلغت من العمر 5 سنوات اصابني مرض جعلني لا أستطيع الحراك وفي تلك الفترة لم تكن هناك مستشفيات تذكر حيث كنت أتعالج بالعلاج الشعبي باستخدام الأعشاب الطبية والتي كانت لها الأثر الكبير في شفائي بعد الله تعالى، لذلك لم استطع الالتحاق بالتعليم سواء كان عند (المطوع) او حتى في المدرسة بالرغم من عدم وجود المدارس في تلك الفترة، فالحياة كانت بسيطة والناس كذلك، ورغم ما اصابني من ابتلاء فإنني عشت طفولتي كأي طفل يعيش في ذلك الوقت، ولذلك التحقت بالعمل منذ الصغر لكسب لقمة العيش مع الكثير من أقراني، وفي الماضي ليس هم الطفل اللعب فقط وانما كان يخوض معترك الحياة بنفسه دون مساعدة حتى يستطيع الاعتماد على ذاتة وتعلم المرجلة منذ الصغر، وهذا لا يمنع الكثير من الأطفال أن يستمتعوا كأطفال بوقتهم من خلال اللعب في الفريج ولكن لكل شيء وقتا، فكانت طفولتنا ممزوجة بين الجد والمرح فهذه هي طفولتنا التي عشناها في حقبة ليست فيها السبل أو الوسائل التي نراها في هذا الزمان لأن لكل مرحلة وقتها وزمانها.
ماهي أول وظيفة التحقت بها؟
أول وظيفة كانت في منطقة (دخان) عند السيد علي الانصاري لمدة سنة الى سنة ونصف وبعدها طلبني في (زكريت) الشيخ حسن بن علي ال ثاني لكي أعمل معه، واذكر أن أول معاش لي كان 8 روبيات، وكان عمري في ذلك الوقت تقريباً 25 سنة لأن في ذلك الوقت لم تكن هناك شهادات للميلاد حتى يتم تقيد أعمارنا. وبعدها رجعت مرة ثانية للعمل عند علي الانصاري وكان منزله موجودا عند براحة الجفيري وجلست أعمل معه لفترة بسيطة ايضاً وبعدها انتقلت للعمل في شركة البترول كمعظم الناس الذين التحقوا بها.
الحياه في الماضي كانت لها قساوتها وصعوبتها حيث لم تكن ذات مظاهر لها قيمتها مثلما نعيشه واقعاً الآن، حدثنا عن تلك الفترة كيف كان الناس يعيشونها ؟
في الماضي الحياة بسيطة من حيث المتطلبات والناس كذلك لم نكن تعرف طعم الراحة ورغم ذلك تجد الناس فيها المحبة وعمل الخير وقلوبهم على بعض، واذكر في السابق كانت الناس تغسل ثيابها وتقوم بفركها في ماء البحر وبعد ذلك تقوم بتنشيفها ولبسها وكذلك اذا اردنا أن نسبح نذهب الى البحر ونتسبح واحياناً كانت الناس تذهب خريجة العسيري والتي كانت تقع عند مكتبة العروبة سابقاً واحياناً تتكاسل الناس من الذهاب لبرودة الماء ،وايضاً كنا نمشي من الفريج الى السوق على أقدامنا فلم تكن هناك سيارات أو طرق نقل الا بالحمير اعزكم الله، وحتى في تلك الفترة لم تكن هناك كهرباء وكانت الناس تستخدم (الفنر) او (السراي) فهذه الوسيلة التي كان الناس يستخدمونها لتضيء بها المنزل أو عند الخروج من المنزل في الليل، وكذلك الماء كانت تأتينا من منطقة (نعيجة) على حمير اعزكم الله، وكان هناك ايضاً عين تسمى عين سمرة وهي تخرج الماء الحلو وهي للشرب والماء الحلو نادر في ذلك الوقت والناس كانت تحفر لها جليب للماء في المنزل وكانت تستخدم هذه المياه في غسل الأواني وكذلك في السباحة احياناً، فكانت كل سبل المعيشة في ذلك الوقت ذات طابع بدائي وبسيط من الصعب أن يعيشه الانسان في هذا الوقت. وكذلك الأهالي في الفريج يعيشون كأسرة واحدة الكبير يحترم الصغير والاحترام فيما بينهم كبير والناس قلوبها رحيمة في مساعدة الآخرين، وكانت الناس ايضاً راضية كل الرضا عمّا كتبة الله تعالى لهم ،وفي الماضي كان الجار لا ينام وهو جوعان لأنه اذا الواحد عنده قرص من الخبز يقوم بتقاسمه مع جاره فكانت الناس فيها الرحمة وتقدم العون.
الغوص مرحلة مهمة في تلك الحقبة من الوقت وتعتبر المصدر الرئيسي لمعظم الناس في قطر أو في الخليج هل دخلت الغوص؟
في الماضي كان الغوص من أهم مصادر الدخل للناس في قطر، فأنا لحقت على هذه المرحلة على نهايتها وكانت حياة الغاصة ذات طابع معين من حيث الاستعداد للدخول الى الغوص، لأن المدة في رحلة الغوص ما بين 3 و 4 شهور فكانت المدة طويلة لذلك تجدهم يستعدون لها بكل شيء، فكانت الناس في الصيف تذهب للغوص وفي الشتاء يتجهون الى البر ، فكانت حياتهم ما بين البر والبحر.
كم هي كروة الغاصة الذين يدخلون البحر مع النواخذة؟
لم تكن هناك كروة لهم بل كانوا في فصل الشتاء يعطونهم (قلة) تمر وخمس روبيات وهذا كان يسجل على الحساب الى أن يرجع من الغوص إذا استطاع أن يدفع يدفعها وإذا لم يستطع تؤجل الى السنة القادمة عندما يدخلون للغوص مرة أخرى.
الهيرات التي يذهب اليها النواخذة للبحث عن اللؤلؤ أين هي ؟
الهيرات هي العد الشرقي وابو الحنين وحالول والعد الغربي وهذه من الهيرات التي تشتهر عند معظم اهل الغوص لوجود الؤلؤ فيها.
هل تذكر لنا من النواخذة المشهورين في تلك الفترة؟
النواخذة هم كثر وكل واحد فيهم له شهرته ولكن هناك ابراهيم النصر وخالد بن علي ويعتبرون من الذين لهم باع طويل في البحر ، وابراهيم النصر كان يعرف كل شيء عن البحر متى يخرج للغوص وكيف أحوال البحر واحد المواقف على سبيل المثال اذا وقع احد الأشخاص اي شئ في البحر يستطيع ابراهيم من أن يحدد موقع الشئ الواقع بالرغم من كبر البحر والرياح احياناً، في الماضي كان معظم النواخذة لهم المعرفة التامة في شؤون البحر وبشكل لا تتصوره فهم يعرفون متى تهب الرياح أو حتى أن الأجواء ستساعدهم على الخروج أم الانتظار فهذه من صفات النوخذة الماهر، وبالرغم من عدم اعتمادهمفإن حسهم والتوكل على الله في دخولهم الي الغوص.
لماذا سميت قطر بأهل النفيعي ؟
اهل قطر كانوا مشهورين في الخليج بأنهم أهل نفيع لأنهم يقومون بمساعدة بعضهم البعض في كل احوال الحياة العامة فاشتهروا بهذا الاسم.
ما هي الأكلات التي تشتهر بها قطر في الماضي؟
في السابق كان طعام الناس هو التمر والعيش والسمك فلم تكن هناك أكلات مثلما نراها في هذا الزمان، في رمضان كنّا نأكل الثريد والتمر واللبن والعيش والسمك أما في العيد فكان يتم اعداد الحلوى والخبيص وليس اي بيت يقوم بإعداد هذه الحلويات الا البيوت التي بمقدورها صنع الحلويات، فلم تكن الأكلات كثيرة ومتنوعة بل كانت معدودة من حيث الصنع.
ذكريات العيد بالطبع كثيرة فكيف كنتم تقضون العيد سواء الأطفال او حتى الكبار؟
العيد فرحة كبيرة لمعظم الأهالي في السابق سواء الأطفال أو كبار السن أو حتى النساء، وكنا نحن كأطفال نذهب بعد صلاة العيد بالمعايدة على الناس لجمع العيدية والرجال بعد صلاة العيد يذهبون للسلام على أهاليهم وأصدقائهم وكانت تقام العرضة للرجال لمدة 4 أيام وكذلك النساء كانت لهم منطقة واسعة تسمى (مسطاح البنات) بالقرب من منزل الشيخ علي بن عبدالله رحمة الله كانوا يغنون فيها لمدة 4 الى 5 ايام، فكانت فرحة العيد لها خصوصيتها في تلك الفترة فكان العيد فرحة للصغار والكبار وحتى النساء.
هل هناك مواقف أو ذكريات تطري على بالك تذكرها دائماً ؟
الذكريات والمواقف كثيرة وحياتنا في الماضي وقبل خروج البترول خاصة كانت كلها مواقف منذ الطفولة ولكن هناك حادثة حدثت لنا عندما حدثونا بأن في حالة دلما وتسمى ظهر الفشت فيها المحار فاتجهنا على ظهر جلبوت قبل اذا المغرب وكان الجلبوت بطيئاً في مشيه الى أن وصلنا منطقة اسمها الحديد وهي منطقة بحرية فنزلنا في هذه المنطقة واذا بالمحمل يهتز واذا بشيء اسود كبير يخرج من البحر بقوة ويرجع اليها وهذا الشيء من حيوانات البحر يسمى الكسلان وهذا موطنه صوب افريقيا فقام احد الأشخاص الذين معنا على ظهر المحمل يصرخ هاتوا المنشارة والجدوم ولكن الله سلمنا وذهب الكسلان واختفى لأننا كنا في حالة يرثى لها من شدة الخوف الذي أصابنا فهذا الموقف لا أنساه طول حياتي.
هل هناك حنين عندك للعودة للماضي؟
هي ليست مسألة العودة للماضي في السابق كانت حياتنا حلوة بالرغم من قساوتها وقلة الموارد والحياة بسيطة ولكن كانت حياتنا جميلة فيها الصفاء والنقاء والناس قلوبهم بيضاء وتجدهم في رسم الخدمة دون أن تطلب ،وفي الماضي ليس هناك هموم يحملها الواحد منا بل ترانا نعيش بكل عفوية دون النظر الى الآخرين ،اما في هذا الزمان اصبحنا نعيش من أجل الأكل والنوم فقط والحياة تغيرت ومتطلبات الحياة زادت واصبحت كثيرة يصعب على معظم الناس توفيرها فالأمور تغيرت بشكل جذري، ولكن يجب علينا دائماً ان نكون قريبين من بعضنا البعض ونرضى بما قسمه الله تعالى لنا من رزق ونحمده ونشكره دائماً فهذه الحياة فلابد أن تتغير ولكن يجب على الناس ألا تتغير ويحافظوا على تاريخ آبائهم واجدادهم وزرعها في عقول احفادهم قدر المستطاع.