المياه وكيفية الحفاظ عليها
مسألة: يجب الحفاظ علـى المياه من التلوث، فإن الماء هو من أهم عناصر الحياة، فهـو المكوّن الأساسي لتركيب مـادة الخلية، حيث يكوّن القسم الأعظم من جميع الخلايا الحية فـي مختلف صورها وأشكالها وأحجامها وأنواعها مـن النبات والحيـوان والإنسان، وهو يكون نحو (90%) من أجسام الأحياء في الدنيا، ونحو (60 إلى 70% ) من أجسام الأحياء الراقية بما في ذلك الإنسان.
ولذا كان من المشتهر منذ القدم أن الماء سبب حياة كل شيء حيّ على سطح الأرض أو في سمائها أو في بحارها، فقد قال الله سبحانه: (وجعلنا من الماء كل شيء حـيّ أفلا يؤمنون)(1)، ولعل الجن والملائكة وبعض الأحياء الأخرى في الجنة أو في غير الجنة من العوالم التي لا حصر لها ولا عدّ يشملهم هذا العموم وان احتمل الانصراف إلى غير بعضها.
ومن دون الماء لا يمكن لخلايا الجسم الحيّ أن تحصل على الغذاء، فالماء مكوّن رئيسي لأجهزة نقل الغذاء في الكائنات الحيّة والفضلات السامة الناتجة عن العمليات الحيوية كالبـول والعرق وتطرح خارج الجسم الحيّ ذائبة في الماء(2).
والماء ضروري لقيام كل عضو في جسم الإنسان بوظائفه على الوجه الأكمل، فمن دون الماء لا يمكن لهذا العضو وغيره من الاستمرار في عمله والإبقاء على وجوده، فقد قال سبحانه: (وهو الذي أنـــزل من السماء مـــاءً فأخرجنا به نبــــات كل شـــيء )(3)، وقد ورد الحديث عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنه قال: (الناس شركاء في ثلاثة النار والماء والكلأ)(4).
والمـاء سواء كان مالحاً أو عذباً، بيئة خصبة للكثير من المخلوقات والكائنات الحية، ولذا قـال سبحانه: (وهو الذي سخّر البحر لتأكلوا منه لحماً طريّاً …)(5)، وقـال تعالى: (أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة …)(6)، والمراد بـ(البحر) بالقرينة: كل ماء يوجد فيه صيد بحري، سواء كان نهراً أو غديراً أو بحراً أو نحو ذلك.
وقال سبحانه: (وهـو الذي أنزل من السماء ماءاً فأخرجنا به نبات كل شيء …)(7)، ومـن الواضح أن للماء حرارة نوعية عالية وبذلك يُعدُّ وسطاً ممتازاً لانتقال الطاقة الحرارية، كما أن الماء مذيب جيد للكثير من المواد والمركبات الكيماوية وبدون الماء لا يكون شجر ولا حيوان ولا إنسان.
ومن الحِكَم الربانيّة أن كمية الماء في الأرض تظلّ ثابتة لأنها تسير وفق دورة متكاملة، فالذي يتبخر من الماء يعود إلى الأرض في صورة المطر وهكذا دواليك، فلا يمكن زيادة الماء ولا إنقاصه، بخلاف سائر مخلوقات الله سبحانه وتعالى كالنباتات والأسماك والحيوانـات والطيور وغير ذلك. وكذلك المواد الحرارية كالنفط والفحم الحجري وما أشبه ذلك، ولعل قوله سبحانه وتعالى: (والسماء ذات الرجع)( يشير إلى ذلك من بين إشاراته المطلقة، فقد قال سبحانـه: (والله الذي أرسل الرياح فتثير سحابـاً فسقناه إلى بلد ميّت فأحيينا به الأرض …)(9).
ويظهر من الآيات القرآنية والروايات أن فـي الآخرة يوجد ماءٌ أيضاً، كما ورد في القرآن الكريم: (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغيّر طعمه وأنهار من خمر لذّة للشاربين وأنهار من عسل مصفّى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماءً حميماً فقطّع أمعائهم)(10)، فإن في كل من الجنة والنار ماء أيضاً(11).
وهل الماء موجود في عالم القبر وعالم البرزخ؟
لم نعثر على دليل يظهر منـه وجود الماء في عالم القبر وان احتمل ذلك ولكن في عالم البرزخ فإن روايات حوض الكوثر فيها إشارة على وجود الماء في هذا العالم.
ولعل الفرق بين عالمي القبر والقيامة كون الإنسان في القبر يعود إنساناً مثالياً لا جسداً كجسده في الأرض، بينما في المحشر والقيامة يرجع الإنسان إلى بدنه الدنيوي مما يعبر عنه بالمعاد الجسماني وذلك مما يحتاج إلى الماء والطعام.
وعلى أي حال: فتغطي مياه المحيطات (70,8% ) من مساحة الكرة الأرضية(12) أما البحـيرات والأنهار فتغطـي ( 3% ) من مساحة الأرض بالإضافة إلى الجليد الذي فـي القارة القطبية الجنوبية وفي غريلندا وهي أكبر جزيرة على سطح الكرة الأرضية وكذلك في أعالي الجبال.
وعلى هذا: فالمياه تنقــــسم إلى ثلاثة أقسام: مياه المـــحيطات والمياه الجوفية والمياه الجليدية. فمساحة المحيطات أكثر من (300 مليون) كيلو متر مربع. أما مساحة المياه الجوفية، فهي (60 ألف) كيلو متر مربع، ومساحة المنطقة الجليدية (24ألف) كيلو متـر مربع(13)، وفـي قارتـي آسيا وأوربا يقطن (70% ) من سكان العالم، وهي تضم (39% ) من مياه الأنهار.
ودور المياه في الصناعة كبير جداً، إذ تتركز الصناعة حول مصادر المياه والأنهـار والبحيرات، حيث يستعمـل الماء كمذيب في الصناعة وفي التبريد والتنظيف وغيرها من العمليات.
وقد أشار القرآن الكريم إلى احتياج الإنسان والحيوان والنبات إلى الماء احتياجاً كبيراً، والغالب أن يكون الماء مصدر الأمطار التي تتساقط في الأنهار والأودية والغدران.
كما وإن ماء المطر هو في الأصل ماء البحر بعد التبخر، وعملية التبخير هي عملية تقطير للماء وعزله عن الملوثات وعن الأملاح، وقـد قال تعالى: (وأنزلنا من المعصرات ماءً ثجاجا)(14)، وقال سبحانه: (أفرأيتم الماء الذي تشربون أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنـزلون)(15)، وقال عزّ اسمه: (الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناءً وأنزل من السماء ماءً فأخرج به مـن الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون)(16)، وقال تعالى: (وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيّكم أحسن عمـلاً …)(17)، وقد ذكرنا في مقدمة الفقه في باب العقائد إنّ أول ما خلق الله سبحانه وتعالـى الماء، كما دلّت على ذلك الآيات والروايات.
وقال سبحانه: (فلينظر الإنسان ممّ خُلِق خُلق من ماءٍ دافقٍ يخرج من بين الصُلب والترائب)(18).
وعلى أي حال: فإن كمية المياه العذبة الموجودة في الأرض كافية لتلبية احتياجات الإنسان في الوقت الحاضر وفي المستقبل القريب. إلاّ أننا بحاجة إلى برنامج ينظم بعدل توزيع المياه، على سبيل المثال نهر الأمازون وحده يحتوي على (15% ) من إجمالي كمية المياه العذبة، في حين يحتوي 15 نهراً غيره على (33% ) فقط من هذا الإجمالي.
والله سبحانه وتعالى ـ على ما يظهر من الروايات ومن الأدلة العقلية ـ لحكمة مقصودة لـم يجعل خيرات الأرض بصورة متساوية بل جعل في كل موقع خيرات، حـرم مناطق أخرى عنها وأبدلها بأخرى، سواء كانت هذه الخيرات من المعادن أو النفط أو من الماء أو غير ذلك.
والحكمة فـي ذلك ليحصل التعاون بين بني البشر أخذاً وعطاءً بالنسبة إلى ما يحتاجون إليه. فأهل هـذا البلد يعطون ثمار بلدهم لأهل بلد آخر في مقابل ما منحهم الله مـن خيرات، هكذا جُبِلَ الإنسان، وهكذا خلقه الله سبحانه متعاوناً ومتآخياً، فكل فرد من أفراد المجتمع الإنساني هو بحاجة إلى الفرد الآخر.
ومن باب المثال: التفاوت في الثروة المائية: فهناك دول في أفريقيا وفي غرب وجنوب آسيا وفي الولايات المتحدة والمكسيك واستراليا تقلُّ فيها المياه، بينما هناك مناطق تعاني من كوارث الفيضانات الموسميّة كبنغلادش وغيرها.
وقد قال سبحانه: (قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين)(19). يقـال إنّ بخار الماء إذا نضب وذهب في أعماق الأرض، يسمى غوراً.
والماء المعين هو الماء الظاهر الجاري على سطح الأرض بحيث تراه العين. فالمعين مشتق من العين، أي جارٍ على وجه الأرض منظورٌ بالعين.
صورٌ من تلوّث المياه
وتلوث الماء مـن الأمور المهمة التي جَلبت انتباه العلماء المتخصصين في مجال حماية البيئة. وقـد عرّفوا تلوث الماء بأنه إحداث تلف أو إفساد بنوعية المياه مما يؤدي إلـى حدوث خلل في نظامها بصورة أو بأخرى بما يقلل من قدرتها علـى أداء دورها الطبيعي، بل تصبح ضارة مؤذية عند استعمالها أو تفقـد الكثير مـن قيمتها الاقتصاديـة، وبصفة خاصة مواردها من الأسماك والأحياء المائية. ويتحقق ذلك بتدليس مجاري المياه من أنهار وبحار ومحيطات وغير ذلك. إضافة إلـى مياه الأمطار والآبار والمياه الجوفية مما يجعل من هذه المياه غير صالحـة للحيوان والنبات حتى الأحياء التي تعيش في الوسط المائي، وبالتالي يرجـع الضرر إلى الإنسان، لأن الإنسان هـو الذي يستعمل الماء، والأمور القائمة به من حيوان أو نبات أو ما أشبه ذلك.
ويتلوث الماء عـن طريق المخلَّفات الإنسانية أو النباتية أو الحيوانية أو المعدنية أو الصناعية أو الكيماوية التي تُلقى أو تُصبّ في الماء سواء كان الإلقاء في البحار أو البحيرات أو الأنهار أو المياه الجوفية أو ما أشبه ذلك.
وقد ذكر العلماء عدّة صور لتلوث المياه مثل استنـزاف كميات كبيرة مـن الأوكسجين الذائب في مياه المحيطات والبحار والبحيرات والأنهار، وما أشبه ذلك، مما يؤدي إلى تناقص أعداد الأحياء المائية. ومثل زيادة نسبة المواد الكيماوية في المياه مما يجعلها سامة للأحياء. وثمة أنهار كادت أن تصبح خالية مـن مظاهر الحياة بسبب ارتفاع تركيز الملوثات الكيماوية فيها. ولعل البحر الميت الواقع بمحاذاة الأردن مـن هذا القبيل، فإنه من مخلفات العذاب الذي صُبَّ على قوم لوط لفعلهم السيئ.
كما وإن نمـو الجراثيم والطُفَيليّات والأحياء الدقيقة في المياه يقلل من قيمة الماء كمصـدرٍ للشـرب أو ريٍّ للمحاصيل الزراعية أو حتى للسباحة والترفيه وما أشبه ذلك أو قلّة الضوء الذي يعدّ ضرورياً بالنسبة إلى نمو الأحياء النباتية المائية كالطحالب والعوالق. بالإضافة إلى أن الطحالب تكوّن من طعام الإنسان.
.