أحمد بن جاسم بوعباس الخزاعي في حديث الذكريات

أحمد بن جاسم بوعباس الخزاعي في حديث الذكريات: خشم الجاوة أول سيارة تدخل قطر والبريطاني أول البنوك

مهنة طب الأعشاب توارثناها عن الأجداد ولها وصفات ساحرة

المنازل في الماضي نصفها من الطين والآخر من الجص

فرضة الدوحة كانت محل تجمع السفن القادمة من الدول المجاورة

نعيجة هي المورد الرئيسي للماء

أجرى الحوار: محمد المراغي

شهدت منطقة وسط الدوحة ولادة عائلة بوعباس الذين اشتهروا بطب الأعشاب ووصفاتها السحرية في علاج المرضى، وتاريخ هذه العائلة في المنطقة وقطر اكثر من اربعمائة سنة ليتوارثوا هذه المهنة بعضهم عن بعض ليكملوا المسيرة التي رسمها اجداد هذه العائلة.. جريدة الشرق التقت بالسيد محمد جاسم بوعباس الخزاعي ليروي لنا عن قطر الماضي واسرارها الدفينة في قلوب من عاش تلك الفتره من حياة اجدادنا وآبائنا، وليحكي لنا ايضاً عن مهنة الطب الشعبي ووراثته لهذه المهنة.

السيد محمد.. الحياة تغيرت الآن وكل يوم تتطور ويبقى الماضي دفينا بين الناس.. حدثنا عن مرحلة الطفولة وكيف كانت الحياة في تلك الفترة؟

طبعاً انا ولدت في منطقة الدوحة واذكر في تلك الفترة لم تكن هناك مدارس تذكر وانما يوجد عدد من (المطاوعة) وهم اهل العلم وهم الذين يتولون شؤوننا من حيث قراءة القران الكريم وحفظه، فالوالد رحمه الله ألحقني بالمطوع لكي اتعلم قراءة القران الكريم وحفظه، وكانت في تلك الفترة تحتفل الأسر عندما يختم أبناؤها القران الكريم بتوزيع الطعام على الجيران وتسمى الختمة، وعندما أنهيت ختمي للقران، توجهت للعمل مع الوالد في مهنة طب الأعشاب التي توارثها والدي عن اجداده، واستمررت بالعمل مع الوالد، وفي تلك الفتره كان الشخص الذي ينهي ختم القران يذهب للبحث عن العمل فلم تكن هناك مدارس ليواصل تعليمه وانما ومن خلال العمل الذي يحصل عليه يبدأ الشخص تعلم الحياة تدريجياً ويفهمها بكل نواحيها اما أن يعتمد على نفسه ويصنع لنفسه شيئا في حياته واما أن يبقى على ما هو عليه دون حراك أو تقدم في الحياة. فطفولتنا كانت بريئة وذات قيمة بالنسبة لنا وحتى حياتنا منظمة في كل شئ بالرغم من عدم توافر سبل الحياة الكريمة الا أننا كنا قنوعين بما رزقنا الله تعالى من نعم فهذه المرحلة تعتبر من المراحل المهمة عند اي طفل بالرغم من حياتنا البدائية التي كنا نعيشها تجد الفرحة على وجوه الأطفال في كل وقت.

حدثنا عن مرحلة عملك في مهنة العطارة مع والدك كيف كانت خاصة أن الأولاد في تلك السن لا يحبون العمل؟

عندما انتهيت من ختم القران كما ذكرت سابقاً بدأت العمل مع والدي في مهنة العطارة، وفي الماضي كان الاباء يدفعون أبناءهم الى العمل ولا يجعلونهم يجلسون في المنزل دون عمل ويتم الاتكال على أهاليهم في مصرفهم ولكن يتم توجيه الأبناء الى العمل في اي شئ حتى يستطيع أن يدبر أموره دون الحاجة إلى أحد، وعندما عملت مع الوالد في البداية واجهت صعوبة في العمل كوني لم أتعود على ذلك ولكن تدريجياً اصبحت اعرف اشياء في عالم الأعشاب وتطورت الأمور تدريجياً عندما كنت اسافر مع الوالد إلى دول الجوار واحياناً نذهب إلى الهند لجلب البضائع وكنت في كل سفرة أتعلم في هذا العالم العجيب الكثير من الأمور، ومع مرور السنين اصبحت متمكناً في عملي وحبي له زاد بشكل كبير ولله الحمد والشكر منذ التحاقي بالعمل مع الوالد لم أغير المهنة والى الان اعمل في هذا المجال.

الغوص في الأعماق والبحث عن اللؤلؤ من المهن العظيمة في الماضي هل دخلت الغوص؟

طبعا لم ادخل إلى الغوص ولكن كنت اسمع من أبي وجدي والكثير من الناس عن حياة الغوص التي تملؤها المغامرات الكثيرة في سبيل البحث عن اللؤلؤ واستخراجه وبيعه لأنه يبقى المصدر الوحيد للكثير من أهل الخليج، وكان الناس في الصيف يذهبون للغوص وفي فصل الشتاء يذهبون إلى البر وكان لكل مرحلة استعداداتها الخاصة بها مثلاً على ذلك عندما كان الناس يذهبون إلى الغوص يتم الاستعداد عن طريق توفير المؤن اللازمة للرحلة والتي كانت تمتد لفترات طويلة في البحر وحتى الغواص يوفر لعائلته الطعام وكل مايلزم المنزل طوال فترة غيابه، وحتى عند انتهاء فترة الغوص وتتجه الناس إلى البر ايضاً تقوم بتوفير ما يلزمهم من الحاجات التي يحتاجون البها ويقومون بتربية المواشي وبيعها في فصل الصيف لتسديد الدين الذي عليهم، وكانت الناس تصبر على بعضها من خلال سداد الدين اذا لم يسدد في رحلة الغوص هذه سيسدد في الرحلة القادمة وهكذا الناس كانت تعيش بكل بساطة.

في سياق الماضي تتحدث الناس عن التكاتف الاجتماعي بين الناس ومدى حبهم لبعض ومدى كرم الناس؟

في الماضي كان الناس فيهم الفة ومحبة فيما بينهم وهذه من نعم الله تعالى على عباده، وكان الفريج أسرة واحدة ابواب المنازل مفتوحة للجميع دون استثناء، والزيارات فيما بينهم مستمرة على طول القوي يقف مع الضعيف والناس لبعضها البعض وحتى اذا سافر الشخص يوصي الجيران على أهله في غيابه عن المنزل فتقوم الناس بزيارة بيت الجار والنظر فيما يحتاجون اليه وكل طلباتهم مجابة إلى أن يأتي الرجل من السفر، وفي كل المناسبات تجدهم أمامك يمدون يد العون حتى لو كان فقيراً، في الماضي كان كل شئ ذا قيمة، الأطفال ذات قيمة عند أهاليهم وكذلك الرجال والنساء لهم احترامهم، لأن المحبة كانت سائدة بين الناس فلذلك تجد حياة الماضي لها طعم اخر.

حدثنا عن المنازل كيف كانت تبنى في الماضي؟

هناك نوعان من المنازل نوع يبنى بالطين وهو لفئة محدودة الدخل وهناك نوع اخر يبنى من (الجص) وهو طبعاً للناس التي عندها المقدرة في الدفع، طبعاً في السابق كانت تبنى المنازل بطرق بدائية وفيها البساطة، واذكر انه اذا نزل المطر القوي على المنازل بعضها ينهد جدرانه ويبنى بطريقة جميلة بدعوة صاحب المنزل إلى الناس للغداء وبعدها يقومون ببناء الطوفة دون الحاجة إلى شركة أو مقاول ليعيد البناء، حب الناس لبعضهم هو المحرك الأساسي لكل شئ والناس تتساعد في كل الظروف، وكانت منازلنا بدائية من حيث البنيان ولكنها كانت تشرح الخاطر وتشعر بقيمة المنزل.

هل الفترة التي ولدت فيها كانت الكهرباء متوافرة والمياه كذلك؟

عندما جئت إلى الدنيا لم تكن هناك كهرباء ولا ماء واذكر كنا نستخدم (الفنر) الذي نضع فيه البنزين ونقوم بإشعاله لنضوي فيه المنزل أو حتى عندما نخرج إلى قضاء حاجة في وقت المساء، واذكر كنا نستخدم الفنر في المحل عندما كنا نريد احضار اي شئ يطلبه الزبون من المخزن لأن المحلات كانت تعتمد على الفنر، وهناك نوع اخر يستخدم وهو السراي وهو نوع يضع فيه التمر بشكل يتم وضع الفتيل معه وبعدها يتم اشعال الفتيل ليشعل النور بتلك الطريقة، وبالرغم من عدم توافر الكهرباء في ذلك الوقت الا أننا كنا نعيش حياة جميلة بكل المقاييس.

واما الماء فكان يجلب لنا من منطقة (نعيجة) عن طريق الحمير -اعزكم الله- وكان هناك شخص هو الذي يذهب لجلب المياه للناس، وكنا اذا اردنا الماء نذهب إلى هذا الشخص ونخبره بأننا نحتاج إلى الكمية التي نريدها وهو يقوم بجلبها لنا بالحمير -اعزكم الله- وكانت المسافة بعيدة بين فريجنا ومنطقة نعيجة.

ما الألعاب التي كنتم تلعبونها في الماضي؟ ام ان اللعب لم يكن له وقت يذكر؟

بل العكس من ذلك تلك مرحلة مهمة لكل طفل في الماضي كنا نلعب في الفريج اذكر لعبة التيلة والدوامة والخشيشة وعظيم سرا وغيرها من الألعاب التي كنا نستمتع بها خاصة في شهر رمضان، وكان عيال المنطقة القريبة من سوق واقف يأتون إلى السوق وعندما تغلق المحلات يقومون بلعب التيلة تحت المظلات القريبة من المحلات وكان المكان يكتظ بالأطفال، فكانت الألعاب التي نلعبها ذات روح ووجدان تجد فيها الجدية والتنافس الشريف فيما بيننا، وكان لكل شئ وقت.

في السابق لم تكن هناك السيارات فكيف كنتم تتنقلون ما بين المناطق لقضاء حوائجكم؟

سياراتنا كانت هي الحمير -اعزكم الله- او الجمل، وكانت هي الوسيلة الأكثر انتشاراً بين الناس في تنقلاتهم بين الفرجان والمناطق وهي ايضاً وسيلة في نقل البضائع من السوق إلى أماكن أخرى أو من الميناء والى السوق وحتى ايضاً تستخدم الحمير في نقل المياه وجلب الجص والطين لبناء المنازل والبعض الاخر تجده يستخدم الجمل في تنقلاته، واذكر في سنة من السنوات عندما يصل الغواصون من الغوص كان البعض يسكن في المناطق البعيدة عن الدوحة وهناك شخص كان مشتاقاً إلى أهله وهم يسكنون في الخور والطريق طويل فأراد الذهاب إلى اهله وبالفعل ذهب مشياً على الأقدام ولكن في نصف الطريق وجدوه ميتا بسبب العطش لم يكن يحمل الماء الكافي للرحلة فهذه من الأشياء التي تبين كيف كانت الناس تقطع مسافات اما برجليها او عن طريق الدواب اعزكم الله دون التفكير في المسافات.

ما أول بنك ظهر في قطر؟

اول بنك هو البنك البريطاني ويعتبر من اقدم البنوك، واذكر كان التجار يذهبون إلى البنك لاستلام الحوالات التي تصل اليهم من الدول الأخرى أو كانوا يقومون بايداع المبالغ المالية التي يشترون بها البضائع من التجار الذين كانوا ياتون إلى قطر لعرض بضائعهم المختلفة، وبعدها يقومون بأخذ الايصال من البنك ويذهبون به إلى الفرضة التي تستقبل السفن القادمة ومنها يتم تسليم البضاعة لهم عن طريق الورقة التي اعطيت لهم من قبل البنك البريطاني. وايضاً هناك البنك العثماني وبعدها بدأت البنوك تفتح في قطر.

ميناء الدوحة القديم كان ذا اهمية في الماضي حدثنا عن ذلك؟

طبعاً يعتبر ميناء الدوحة من المحطات المهمة لتجار الخليج وآسيا في ذلك الوقت وكانوا يأتون إلى الدوحة ببضائع ويضعونها ويتم بيعها بعد ذلك باسم قطر ولا تباع الا عن طريق قطر وكان في ذلك الوقت لم يظهر البترول فكان الميناء ذا مدخول عال تستفيد منه الحكومة ويعتبر دخلاً لها، وكان الميناء يعج بالناس والمسافرين واحياناً كنا نركب فوق سطح المنزل ونشاهد السفن الكثيرة وهي في وسط الميناء فكان المنظر جميلاً.

.