قصة آخر قطري توارث المهنة.. الخواجة ل الراية الأسبوعية
• صناعة البشت تحتاج 50 ساعة. والأصلي ب 5 آلاف ريال
• النجفي أغلى أنواع القماش و الذري الفرنسي يغزو عالم التطريز
• مستعد لتعليم الشباب القطري فنون صناعة البشت لحماية المهنة
كتب - مجدي صالح
البشت رمز للوجاهة الاجتماعية وأهم الازياء التقليدية في الخليج، وشهدت صناعة "البشوت" خلال السنوات الماضية العديد من التغييرات سواء في الخامات او في التطريز، ورغم ذلك احتفظ البشت بقيمته وشكله التقليدي عبر الزمن.
يمثل البشت المصنوع من الصوف الأسود أو البني المطرزة.
حوافه بخيوط الذهب (الزري) اكثر الأنواع انتشارا حيث يكسب صاحبه الهيبة والاحترام، وتنقسم البشوت "صيفية" ذات غزل ناعم الملمس، ومنها: سويسري - نجفي - دورقي - سوبر ياباني - ياباني ديلوكس - ياباني - لندني"
و"الشتوية" من الخيوط الخشنة كالوبر وأشهرها عباءة البرقة وعادة ما تكون باللون الابيض او الاسود ومن أنواعها "سوبر كشمير - وبر بوشهر - وبر جبرلوكس".
وداخل عالم "البشوت" هناك العديد من القصص والحكايات والأسرار تحاول الراية الأسبوعية كشفها من خلال هذا الحوار الحصري مع عبد الامير جواد محمد الخواجة آخر القطريين الذين يعملون في مجال صناعة البشوت أو العباءات الرجالية كما يحب أن يسميها البعض.
تعلم عبد الامير بالجامعة وحصل على درجات عليا في مجال المحاسبة وإدارة الاعمال وشغل وظائف عليا في هذا المجال على مدى ربع قرن.
قرر "الخواجة" بعد إحالته للتقاعد منذ 5 سنوات أن يتفرغ لممارسة هوايته التي توارثها عن أجداده وعشقها على مدى سنوات طويلة وهي صناعة البشوت اليدوية.
تربى الخواجة في أحضان بيت كان دخله الاول من هذه الحرفة العريقة التي كان علية القوم أهم زبائنها وما زالوا، وعلى الرغم من التطورات الكبيرة التي طالت نواحي الحياة المختلفة بحيث أصبح ارتداء البشوت الاصلية يمثل نوعا من التراث الذي لا يقبل عليه الشباب ولا يتذكرونه إلا في مناسبات قليلة من أهمها مناسبة الاعراس التي يحرص فيها المعرسون على ارتداء البشت لساعات قليلة ثم يسارعون بخلعه بعد انتهاء مراسم الزفاف واستقبال المهنئين والتقاط الصور التذكارية.
ورث "الخواجة" حرفة صناعة البشوت القديمة عن والده الذي ورثها عن أجداده على مدى تاريخ طويل كان فيه البشت واحدا من أهم الازياء للخروج، فلم يكن أي رجل يستغنى عنه عند حضور أي مناسبة ويتذكر عبد الامير المطربة الخليجية القديمة التي كانت تغني لزوجها الذي يرتدي البشت مستعدا للخروج لطلب الرزق داعية له بسلامة العودة لها ولأبنائه بعد الرحلة المحمودة.
عبق الماضي
ومازال المحل الصغير القديم الذي يقبع في أحد أزقة سوق واقف والذي كان يعمل فيه الوالد منذ بداية الستينيات شاهدا على أيام عز وجاه عندما كان يتردد عليه وجهاء البلد وشيوخه والوزراء وكبار المسؤولين الذين كانوا يحرصون على أن تبدو زينتهم في كامل أناقتها ورونقها وبهائها الرصين.
عبق الماضي الذي ما زالت رائحته الزكية تمثل ذكرى غالية من زمن جميل تمثل لعبد الامير أجمل ذكرى يتمسك بها وتذكره بالذكرى العطرة للوالد الذي توفى منذ حوالي اربعة اشهر بعد حياة حافلة في مجال صناعة البشوت اليدوية التي لم يعد أحد من القطريين يقبل على العمل فيها، وهنا فضل عبد الامير ان يحيي حرفة الآباء والاجداد كي تذكره بجمال الماضي البسيط الذي كان يتميز رغم بساطته الشديدة بالحرص على العادات والتقاليد الاصيلة التي تميز الهوية الخليجية العربية الاصيلة.
يقول عبد الامير جواد الخواجة: توارثت الحرفة عن الوالد الذي توارثها هو أيضاً عن جدي الذي كان يعمل في تلك الحرفة منذ عشرات السنين.
وعن الاختلافات التي طرأت على الحرفة في الوقت الحالي يقول: التقنية هي فقط التي تغيرت ولكن نفس الصناعة مازالت موجودة ونفس البشت مازال كما كان علي شكله القديم لم يتغير في شكله شيء.
ويشير عبد الامير الى أن محل والده القديم كان يقع في سوق الباكر القديم مقابل سوق واقف وبعد أن تم بناء سوق واقف تم نقل المحل الى مكانه الحالي في السوق في اوائل الستينيات وما زال المحل موجودا بحالته التي كان بها منذ سنوات طويلة.
ويعرف عبد الامير البشت فيقول: "البشت" هي كلمة فارسية معناها رداء والدول العربية المطلة على الخليج العربي تطلق عليه هذا الاسم اما في منطقة وسط شبه الجزيرة العربية فيطلقون عليه اسم "المشلح "أما باقي الدول العربية الأخرى فتسميه العباءة وهي منتشرة بأشكال متقاربة بين جميع الدول العربية.
50 ساعة عمل
ويقول: رزقني اللَّه بابنين الاكبر يدرس في كلية الطيران والثاني في الصف السادس من المرحلة الابتدائية ولا يوجد لديهما اهتمام كبير بهذه الحرفة التي تحتاج الى صبر كبير لكي تتمكن من صناعتها وخاصة ان هذه الحرفة من الحرف التي تحتاج لنوعية معينة الصبر ويجب أن يمارسها من يحبها حبا كبيرا لأن صناعة العباءة تحتاج الى ما بين أسبوع الى 10 أيام وساعات عمل يوميا ما بين ال 4 ساعات الى ال 5 ساعات أي حوالي من 40 الى 50 ساعة تقريباً.
ويضيف: كان صانعو البشت قديما يقومون بتصنيعها في أثناء السهرات في المجالس عندما كانوا يتسامرون مع أصدقائهم خاصة ان المسامرة كانت تتغلب على حالة الملل التي تصيبهم من طول ساعات العمل وكان الناس قديما يمتلكون قدرة أكبر على الصبر والعمل وهو ما يصعب وجوده هذه الايام.
أما عن القماش الذي يستخدم في تصنيع البشوت يقول: كان القماش الذي تصنع منه البشوت قديما يتم تصنيعه يدويا وكان معظمه من وبر الابل وكان معظم صانعيه يتواجدون في المملكة العربية السعودية والعراق وإيران وكان يتم تصنيعه على انوال يدوية اما الآن فنحن نستورد أقمشة البشوت من اليابان إلا أن صانعي أقمشة البشوت بالطريقة اليدوية موجودون ولكن أسعار أقمشتهم عالية جدا لا يستطيع شراءها الكثيرون.
رداء الوجهاء
وعن أهم زبائنه الذين يترددون عليه يقول عبد الامير: ان من أشهر وأهم زبائني الديوان الاميري ورئاسة مجلس الوزراء ووزارة الخارجية والوزراء وكثير من وجهاء المجتمع. وهم الفئات التي ما زالت تحرص على ارتداء البشت في المناسبات الرسمية المختلفة.
وعن أسعار البشت الاصلي يقول: ان سعر البشت يتراوح ما بين 3 الى 5 آلاف ريال ويختلف سعرها حسب جودة قماشها وطريقة حياكتها فلكل صانع سعره فالصانع الماهر سعره أعلى من الصانع غير الماهر كما هو الامر في باقي الحرف الاخرى التي يتعامل معها الناس بشكل يومي فليست كل اسعار الميكانيكيين مثل بعضهم البعض وكذلك مع صانعي البشت.
وعن ألوان البشوت يقول عبد الامير: ان هناك ألوانا ثلاثة تعتبر هي السائدة في هذا المجال منه اللون الابيض واللون الاصفر الغامق أو البني بالاضافة للون الاسود الذي يعتبر ملك الالوان وكل لون من هذه الالوان له وقت معين يجب ارتداؤه فيه حيث يتم ارتداء اللون الابيض في الصباح وأول النهار أما اللون الاصفر الغامق أو البني فيتم ارتداؤه وقت العصر في حين يتم ارتداء اللون الاسود الذي يعتبر ملك الالوان في فترة المساء والليل، كما أن الافراح يعتبر اللون الاسود فيها هو اللون السائد أما المطوعون والدعاة فيرتدون البشوت ذات اللون الابيض باعتباره من الالوان المفضلة عند المسلمين والالوان المحببة عند الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام
كشخة
والزينة التي يتم وضعها حول الرقبة على البشت تسمى هنا في قطر "الخياط" وتسمى في بعض دول الجوار الخليجي مثلا "الدجة" أو "الدقة" وشكل وحجم الخياط من بين العوامل التي تحدد سعر "البشت" فإذا كانت عريضة يزيد السعر والعكس صحيح أيضاً.
ومن أهم أنواع القماش التي يتم تصنيع البشت منها القماش "النجفي" وهو يعتبر من أغلى الانواع الصيفية أما الانواع الشتوية فهناك الوبر وهو يأتي من منطقة الاحساء بالمملكة العربية السعودية.
وعن أهم مواسم بيع البشوت يقول عبد الامير: ان للبشوت مواسم معينة يزيد الاقبال فيها على الشراء منها فترة الأعياد حيث يحرص ناس كثيرون على شراء البشوت في تلك الفترة لارتداء البشت وكذلك في فترة مواسم الزواج في أول الصيف والاجازات المدرسية الطويلة وهي مواسم تزدهر فيها تلك التجارة إلا ان البعض يأتي للشراء في ايام العام الاخرى.
ويعرف آخر صانعي البشت القطريين الزينة التي يتم تركيبها أعلى البشت فيقول: ان هذه الزينة تسمى "الذري" ولونها دائما ما يكون ذهبيا فخيوطها مصبوغة بماء الذهب ويتم تركيبها على ثلاث طرق منها الطريقة اليدوية التي اتبعها أنا فيما أقوم به وهي تكاد تكون قد اندثرت في معظم دول الخليج اما الطريقة الثانية فهي طريقة التركيب بواسطة التطريز وتتم من خلال ماكينة التطريز العادية أما النوع الثالث من انواع تركيب "الذري" فيتم عن طريق الكمبيوتر الذي بدأ يغزو صناعة البشت أيضاً.