احتفالات دشة الغوص بين الغناء والعبارات الإيمانية

احتفالات دشة الغوص بين الغناء والعبارات الإيمانية

تعد اول السنة بداية الموسم الحقيقة لبدء الغوص كما يتحدد بدء الغوص ايضا بظروف كل سفينة وحسب ظروف اتجاه الرياح. ومع ذلك فقد كانت هناك ايام معينة يفضل الأجداد الركوب فيها وهي الخميس والاثنين من كل أسبوع. وكانوا يتفاءلون بالدشة في يوم الاثنين بالذات ويتباركون به حيث يقولون : الاثنين - صلى الله عليه وسلم - على سيد الكونين. ويكرهون السفر في يوم الثلاثاء ويقولون : الثلاثة كلافة. كذلك يوم الأربعاء ويعتقدون ان السفر فيه قد يصيب الإنسان بكارثة كالموت مثلاً. وظهر تأثير السفر في يوم الاثنين في الشعر مثل:

شدوا الضعاين يا فهد من يوم الاثنين

شلو بخلي ورحلو ياحر فرقاه

أو

نهار ما جا اللوبي

دمعي جري ياعين

بالسبت استعجلوني

ماريضو الاثنين

في اليوم المحدد للرحيل يقوم المجدمي برفع العلم على صارية السفينة منذ السباح الباكر كإشارة متفق عليها لاستدعاء البحارة فيتوافد البحارة إلى سفينتهم، ويكون (راعي السريدان) هو اول الواصلين إليها وفي هذا اليوم توكل إليه مهمة طبخ الذبائح (واحدة او اكثر حسب كرم المنوخذا وحجم سفينته احتفالا بيوم «الدشة». ويتقدم البحارة إلى السفينة وهم يلبسون « الوزار والزنجفره» وخما القطعتان الأساسيتان اللتان يلبسهما البحارة أثناء عملهم على ظهر السفينة وقد حمل كل واحد منهم حباله (إلا يدا او الزيبل) على كتفه، وعلى كتفه الآخر صندوقه الخشبي وفراشه. ويصعدون إلى السفينة وقد خيم الحزن عليم بعد ان قاموا بتوديع أسرهم وزوجاتهم وأطفالهم الذين يرافقونهم حتى شاطئ البحر، وتدعو المكهات والزوجات ( الله يرزقكم، الله يفتح عليكم، الله كريم، الله يعقلكم (أي يردكم) سالمين غانمين..إلخ). وتبقى النساء في البيوت تراقبن السفن من وراء جدران المنازل المطلة على البحر وبعضهن يرافقن الأهل إلى الشاطئ وهن يدعون لهم (أمنت الله يالغواريص...).

وعندما يتكامل بحار السفينة يحضر النوخذا حاملاً صندوقه (المشتخة) على كتفه ويصعد إلى السفينة. ثم يتلفت حواليه وينادي على «المجدمي» ويسأله قائلاً: هاه متكاملين. فيرد عليه المجدمي: متكاملين. عندئذ يأمره النوخذا قائلاً: احسب جم غيص وجم سيب. فيبدأ المجدمي بحساب عدد البحارة ويتنقل أثناء ذلك على صدر السفينة وتفرها (مقدمتها ومؤخرتها) ثم يخبر النوخذا قائلاً: متكاملين كذا غيص وكذا سيب. فيرد النوخذا: صلوا على النبي توكلنا على الله ويهكم العافية (أي تفاءلوا خيراً).

عند ذلك يأمرهم بسحب (الباوره) المرساه قائلاً: يالله فوق أبرخ ومنذ تلك اللحظة يبدأ النهام بممارسة دوره الغنائي المصاحب لعملية إقلاع السفينة من الميناء. فينهم « يالله بدينه» التي تستغرق عملية سحب حبل الخراب المربوط بالمرساة والتي تسمى (البريخة).

ويبدأ البحارة عمليهم وهم يغنون شيلة خفيفة لكي ينظموا صفوفهم فينشدون (هوليا .. هوليا .. هوليا) ثم يبدأ النهام بالغناء بصوت منخفض وبدون مصاحبة أية أدوات موسيقية.

ياسيد المرسلينا

اشفع لنا يا محمد

اشفع لنا بالشدائد

بعدها يبداون بسحب حبل الخراب على طريقة البريخة الدواري فيقوم النهام بأداء نهمة « يالله بدينه»

هولو يالله بدينه

هولو بالسلامة

هولو بلغ منايه

هولو يا مسافر

هولو يالله بالسلامة

وأثناء غناء النهام يردد البحارة وراءه نحبة معينة (هيه .. هيه). وفي منتصف الأغنية تبدأ العدة بقرع أدوات الإيقاع ( الطبل والمرواس والطاسة) فيتحول لحن الأغنية ولأداء النهام نفسه ليصبح أكثر سرعة.

ويظهر الاتكال على الله في الأغنية السابقة عند البحارة المسافرين إلى مغاصات اللؤلؤ، والتضرع إليه أن يبلغهم آمالهم ويردهم سالمين إلى كديارهم ثم تليها بعض كلمات الغزل التيتختم بها دائماً نهمة «يالله بدينه».

بعد الانتهاء مننهمة « يالله بدينه» يقوم البحارة بتكرار أحد الهوسات التي لا تزيد عادة عن شطرتين يكررها البحارة لفترة من الزمن ثم يغيرونها إلى هوسة أخرى .. وهكذا.

وبعد ان ترفع المرساة ويتم تثبتها في مكانها على ظهر السفينة يأمر النوخذا باستخدام «المجاديف» حتى تصل السفينة إلى المياه العميقة لكي يسهل عليهم الخطف بالشراع. فيأمر البحارة قائلاً : ميداف. فيبدأون بالتجديف بمصاحبة غناء النهام الذي يكون هذه المرة من لون « اليامال» الذي هو عبارة عن مواويل بحرية يؤديها النهام بصوت حزين وشجي وبدون مصاحبة أية أدوات إيقاعية.

وكانت المواويل الزهيرية هي أحد أهم أنواع المواويل التي تؤدي أثناء التجديف. ويبدأ غناء النهام بتكرار كلمة «هو يامال . . هو يامال) والبحارة يرددون وراءه نحبة عبارة عن كلمة واحدة هي (هيه) أثناء دفعهم للمجاديف بصورة منظمة وبتناسق شديد. في الوقت الذي يستمر فيه النهام بغناء الموال. ومن أمثلة تلك المواويل التي تؤدي اثناء (ير المياديف) أي دفع أو سحب المجاديف في يوم الدشة هذا الموال:

وطر مضى باصيه لو يرجع يا علي

وكثر للعي فضيحه والمبتلي يلعي

وهذا الموال للشاعر يوسف المالكي:

يا دانة البوم اللي بالثمن غاليه

وراعي الهوى يشتري مجبور لو غاليه

وفي بعض الأحيلان يقوم « يراره» المجاديف (وهم البحارة) بالاكتفاء بغناء هوسات او شيلات خفيفة، خاصة في السفن التي لا يوجد بها نهام، أثناء تجديفهم وأثناء قيامهم بسحب حبل المرساة (البريخة). اما النهمة فتعتمد على مغنى وهو النهام، وأدوات إيقاعية هي الطبل والطوس، خاصة عند الخطف بالشراع، ونحبة يرددها « اليواب» أو «الكورس» وهم هنا البحارة، ويلاحظ على أغاني اليرار أن هناك أغاني يرار خاصة بجر المجاديف في سفن الغوص وأخرى خاصة بجر المجاديف في القوارب الصغيرة «القلص».

هذا ويستمر التجديف حتى تصل السفينة إلى المياه العميقة عندها يقوم البحارة بالاستعداد لرفع الأشرعة. فإذا كان اتجاه الرياح (الولم) مواتيا فإن السفينة تقلع بواسطة الشراع في اتجاه هيرات ظهر الحالة وهي اقرب منطقة توجد بها مغاصات لؤلؤ بالنسبة لسفن الغوص التابعة لمدينة الدوحة. أما إذا كانتالرياح ساكنة فإن السفينة تظل في مكانها تنتظر هبوب الرياح الشمالية الغربية بالذات التي تناسب الإقلاع نحو مغاصات اللؤلؤ الشرقية فمعظم أنواع السفن المستخدمة كانت من نوع «الدومي» أي التي تسير بواسطة الشراع والمجداف.

وكانت عملية «الخطف بالشراع» التي تقوم بتنفيذها جميع السفن المتجهة إلى المغاصات في يوم «الدشة» من اهم الاحتفالات التي كانت ترافق الأعمال الأساسية التي تجري على ظهر السفينة في ذكل اليوم. فبعد أن ينتهي البحارة من سحب المرساة أو التجديفي، يأمرهم النوخذا بخطف الشراع قائلاً: شراع. فيتجه البحارة إلى الخن الذي توجد به الأشرعة ويخرجونها وهم يؤدون شيلة غنائية خفيفة مثل (هو يامليه .. هو يامليه). فإذا تم تثبيته على الدقل وبدأوا برفعه ينهم النهام بأغنية «يا أمة محمد» وهي افتتاحية أغاني الخطفة في يوم الدشة أثناء قيام البحارة بشد الشراع على الدقل الكبير. وذلك بصوت خفيض وبدون مصاحبة أية أدوات إيقاعية ويرد عليه البحارة بكلمة «يالله». انظر النموذج الآتي:

النهام : ياامة محمد ياأصحاب الدين

اليواب : يالله

النهام : هيه يا هيه

اليواب : يالله

النهام : يارحمن يا رحيم

اليواب : يالله

النهام : يامسافرين

اليواب : يالله

النهام : في أمان الله

اليواب : يالله

تستمر تلك الافتاحية أثناء رفع الشراع حتى يصل إلى قب الدقل (أي قمته) وحينما يبدأون بتثبيت «حبل البسة» يتغير الأداء ليصبح سريعاً مع مصاحبة الإيقاع ليغني النهام أغنية البسة الشهيرة وذات اللحن الجميل «يالله ويالله» وهي كالآتي:

يالله ويالله ويالله

يالله ويالله ويالله

هولو يارب سهل علينا

خير من الله يجي

ما يفرح إلا من الأهل والجار

ولا يغمض إلا الحاسدينا

ويعل مولاك يرحم

يعطيك ما ياك

وما يعطي إلا الله

العافية والسلامة

تشير كلمات الافتتاحية وأغنية البسة إلى الإيمان العميق بقدرة الله والاتكال عليه في الرزق فهم متجهون إلى موسم رزقهم معتمدين على جهدهم وعلى عطاء الله الذي لا يحده شيء.