تستخدم في صناعة الخيام وفرش المجالس
• الصانعات : الأمريكيون أكثر الأجانب إقبالاً عليها .. والمواطنون يشترونها موسمياً
• وسيلة لكسب لقمة العيش والحفاظ على التراث من الاندثار .. لكنها مهمشة
تحقيق - أحمد فال
تعتبر صناعة السدو من أعرق الصناعات التقليدية في قطر، والخليج العربي بشكل عام، التي مازالت صامدة أمام هجوم التطور وتصارع من أجل البقاء، وما زال لها من يحميها ويعمل على أن تبقى دائما في الطليعة رغم كل الظروف والمتغيرات.
وقد قامت الراية بزيارة لسوق واقف- معرض التقاليد القطرية- حيث لا تخطىء العين محلات السدو التي تنتشر هنا وهناك، وتعمل بها نساء طاعنات في السن توارثن وتسلمن المهمة من أمهاتن في سير طبيعي لقانون الحياة القديمة، فمثل هذه المهن عادة تكون بالوراثة، وقد تحدثن إلينا عن طبيعة العمل وكيف يجري، والتطوير الذي تم فيه، حيث يقمن بتوشية بعض المحافظ اليدوية والسجاد بآيات قرآنية، ويصنعن منه كذلك "بطان" للإبل وغير ذلك، كما تحدثت السيدات عن "جفوة" من طرف المواطنين وضعف إقبال على شراء هذه المنتجات في الوقت الذي يقبل عليها الأجانب بشكل أكبر، كما طالبن بمزيد من الدعم الحكومي لأن عملهن كما يقلن يجمع بين " حفظ ماء الوجه عن التسول، وحفظ التراث من الضياع " لذلك هن بحاجة إلى دعم من الحكومة.
تقول السيدة أم حمد لقد تعلمت هذه المهنة منذ الصغر، تعلمتها على يد والدتي، ولم أزل أعمل فيها منذ ذلك الوقت حتى الآن،حيث نقوم بصناعة الفرش والسجاد، وحتى " بطان " الإبل، و يعتبر السدو من أهم الحرف التقليدية التي كان يقوم بها الناس في المنازل قديما حيث كان يعتبر هو المادة الأساسية التي تستخدم في المفروشات والوسائد والأغطية في المنازل قديما كما كان يعتبر المادة الأساسية التي تصنع منها بيوت الشعر والخيام في ذلك الوقت، ولكن الآن ومع التطور تراجعت المهنة ووجدت نفسها في أسفل قائمة اهتمامات المواطنين.
أما كيفية عمل السدو فإننا نستخدم " المدراة " أولا لنغزل الخيوط، ثم بعد ذلك " نبرمها " و نمددها، وأخيرا " نسداها "، وهي عملية طويلة ومتعبة، حيث نظل جلوسا طول اليوم نغزل ونبرم و " نسدى "، والآن أدخلنا عليها بعض التعديلات والنقوش الأخرى، حيث أصبحنا نطرز بعض الحواشي بكتابات قرآنية وزخرفات أخرى، ونصمم ايضا حسب الطلب.
وعن مدى الإقبال على هذه المنتوجات وهل مازالت تلقى اهتماما كبيرا لدى الجيل الحاضر وهل أسعارها مرتفعة، قالت السيدة أم حمد : الإقبال عليها ضعيف، وخصوصا من طرف القطريين، مع أن بعضهم يشتريها، فهي مازالت تصلح أن تكون فراشا في المجالس، وفي بيوت الشعر، ويزداد الإقبال عليها بشكل أكبر في موسم الخروج إلى البر، أما في الحالات العادية فالإقبال عليها ضعيف من طرف المواطنين، أما الأجانب فيشترونها ويهتمون بها، وخصوصا الأمريكيين فهم أكثر الأجانب إقبالا عليها، وبخصوص الأسعار فهي غالية بعض الشيء غلاء يتناسب مع مشقة العمل وصعوبته، وتتفاوت الأسعار من نوع إلى آخر حسب نوعية الغزل والخيوط المستخدمة ( الشعر )، فهناك نوع يبلغ سعر المتر الواحد منه 100 ريال، بينما يتفاوت سعر البعض الآخر بين 3000 و 5000 ريال حسب النوع.
وحول حاجة أصحاب هذه المهنة إلى الدعم قالت أم حمد : نعم نحن بحاجة إلى الدعم، ونطالب الحكومة بالتدخل لصالحنا وتقديم المساعدة لنا، فنحن نعمل " لصيانة وجوهنا عن التسول، وحماية تراثنا من الضياع " ونظل منهمكين في هذا العمل من طلوع الشمس إلى أن يختفي آخر ضوء للنهار، ولكن العائد قليل والإقبال ضعيف، لذلك نطالب الحكومة بالتدخل لصالحنا.
أما السيدة أم سعد فتقول: تعلمت هذه الحرفة من أمي وورثتها عنها، وهي أيضا ورثتها عن أمها، لذلك يمكنك القول أنها مهنة العائلة حيث نغزل الصوف بكل أنواعه ونصنع منه السدو والخيام، وهو عدة أنواع فمنه صوف النعيم أي الأبيض وصوف العرب وهو الصوف الأسود للخراف، فالصوف الأبيض يتم خلطه ومزجه مع الصوف الاحمر والاسود ومن الجميع يصنع السدو اما الصوف الاسود فتنسج منه الخيام، وصناعة السدو صناعة متعبة وشاقة، حيث نظل طول اليوم نغزل ونمدد ونبرم، ومع ذلك فالمردود ضعيف بسبب قلة الإقبال على السدو.
وتضيف أم سعد : نصنع الفرش للمجالس والوسائد، كما نصنع الخيام من الوبر، ونبيع ذلك للقطريين وللأجانب، ولكن الدخل لا يتناسب مع المجهود، ولولا أن عزاءنا الوحيد في ذلك هو أننا نحافظ على مهنة الآباء وتراث قطر لتركنا العمل في هذا المجال، لذلك نحن نعتبر أنفسنا " حماة الثغور " في التراث القطري، ونطالب بالدعم الحكومي، وأن تولينا الحكومة اهتماما أكبر، ونطالب المواطنين أيضا أن يسعوا في كل ما من شأنه الحفاظ على تراث الآباء وتقاليدهم، حيث أن هناك اليوم من هذا الجيل من لا يعرف الكثير عن تقاليد قطر وثقافتها وهو أمر محزن.
أما بخصوص الإقبال على السدو فهو ضعيف،والمفارقة العجيبة هي أن الأجانب يقبلون على منتوجاتنا أكثر من المواطنين، أما الأسعار فهي غالية بعض الشيء.
ومن جانبها تحدثت السيدة أم محمد عن السدو و مراحل صناعته قائلة : تعد حرفة السدو من الحرف اليدوية التي كانت سائدة قديما، واشتهرت بها دول الخليج العربي، و السدو يعني حياكة الصوف، وكان الناس يهتمون بهذه الحرف المهنية لقضاء احتياجاتهم في تلك الأزمنة الماضية واستخدم السدو قديما فى بناء المساكن والحافظات وزخارفها القطنية، حيث يؤخذ الشعر من الأغنام والابل، ومن ثم يغسل من الاوساخ بالماء الفاتر. بعد ذلك تقوم السادية بكرداش هذا الشعر و الكرداش أداة مكونة من قاعدتين خشبيتين ومغروز بها أسنان من حديد دقيقة تستخدم لغرز الشعر واعطائه قوة، بعد ذلك يوضع الغزل على تراب ناعم خال من الشوائب أو على فرشة نظيفة، ومن ثم يضرب بالخيزران حتى يشتبك ويصبح ناعما، بعدها يعمت أي يبرم الشعر حتى يصبح كأنه مخدة، عند ذلك تقوم السادية بأخذ الصوف من هذه العميتة وتغزل، وكل مغزلين يطلق عليها نمية ، بعد ذلك تأتى مرحلة الابرام وهو دمج خطين معا ليكونا السدو، أما أهم الأدوات التي تستخدم في صناعة السدو فهي المدراة وهي قطعة خشبية توضع بين طرفي النسيج لرقعها، وهناك المدري وهو مسمار حديدي معكوف الرأس وله مقبض خشبي تغرز به خيوط النسيج أيضا المشيع وهو قطعة خشبية يلف عليها نسيج الخيوط من أجل ان تمسك السدو والمغزل ويتكون من صفيحة خشبية طولها 15 سنتيمتراً وعرضه 7 سنتيمترات وفي منتصفها ثقب يوضع به متر خيزران في رأسه سيم حديدي يمسك الغزل عند غزله ومن الادوات ايضا التغزالة وهي عبارة عن متر ونصف المتر خيزران أو جريد نخل تشقر مع مقدمتها وتوضع بها العميتة وتوضع تحت الابط ويغزل منها.
وتضيف أم محمد أن صناعة السدو اليوم تراجعت عما كانت عليه في السابق، وإن كان حظها كبيراً حيث أنها لم تندثر مع بعض الحرف التقليدية الأخرى، لكنها تواجه مشاكل حقيقية من أهمها قلة الوبر وتضاؤله، حيث أن إنتاج الأغنام الآن أقل مما كان عليه في الماضي، لأن أغلبية من يعملون في تربية الأغنام ينظرون لها كهواية أكثر منها كتجارة جادة، كما اعتاد النساجون في الماضي على غزل القطن المستورد من الهند ومصر، أما الآن فهو يشترى خيوطا جاهزة من الأسواق المحلية، وتبرمه الناسجات، كما أن تراجع الاهتمام بمنتوجات السدو وضعف الإقبال عليه من أهم التحديات التي تواجه هذه المهنة العريقة، لذلك نقول أننا بحاجة إلى إحياء مهنة الآباء والحفاظ على تراثهم من الاندثار.
هكذا إذن تقف مهن الآباء وحرفهم منفردة في مواجهة أمام عاتيات الزمان، وتستنجد بأبنائها للتدخل لصالحها وحمايتها من جور الزمان، فهل من مجيب؟