لماذا تأخر تنفيذ مشروع التأمين الصحي حتى الآن؟
تحقيق - طارق عبدالله
رغم الوعود السابقة الكثيرة بتطبيق نظام التأمين الصحي، وعلى اثرها تم انشاء ادارة خاصة تحمل نفس الاسم بالهيئة الوطنية للصحة سابقا والتي تحولت إلى المجلس الأعلى للصحة.. الا أن التأمين الصحي لم ير النور حتى الآن، ولا يعرف أحد ما هو مصير الادارة التي كان يرأسها أجنبي، هل مازالت تعمل؟ واذا كانت تعمل.. فما هو الدور الذي تقوم به حاليا؟.. وهل ألغي أصلا التأمين الصحي، أم أن هناك اصرارا على اقامته؟ وما هي أسباب تأخيره؟.. كل هذه الأسئلة طرحناها على المسؤولين بالمجلس الأعلى للصحة فماذا قالوا؟؟
بداية أكد مصدر مسؤول بالمجلس الأعلى للصحة أن مشروع التأمين الصحي لم يلغ، وأن الادارة التي خصصت للمشروع وتحمل اسم «ادارة التأمين الصحي» لم تلغ هي الأخرى، ويقوم حاليا مساعد مدير الادارة بأعمال الادارة على أكمل وجه.. والمشروع نفسه يسير وفق الوقت المحدد له، مشيرا إلى أنه تأخر قليلا لعدة أسباب منها اختيار الشركة الاستشارية التي ستساعد في وضع هيكلة مقترح النظام بالاضافة الى التشريع المرافق له.. وقد اختيرت الشركة من ضمن عدة شركات عالمية معروفة تقدمت بعروضها للفوز بالمناقصة الاستشارية. وأوضح المصدر نفسه بأن هناك ميزانية مخصصة تكفل بانهاء مشروع التأمين كما هو مقرر له، مؤكدا في الوقت ذاته بأنه لا يوجد علاقة بين التأخيرفي تطبيق المشروع وبين الأزمة الاقتصادية العالمية.
وحول ملامح المشروع من خلال التطبيق المقترح له أكد المصدر أنه يتم العمل حاليا على بلورة هذه الملامح من خلال اللجنة القيادية التي تسير المشروع والمكونة من القطاع الحكومي والخاص..مشيرا إلى عدة تغييرات مهمة سوف تكتمل الصورة فيها حين صدور الموافقة النهائية على التفاصيل الدقيقة للمشروع.
القطاع الصحي الخاص له دور حيوي ومكمل لمشروع التأمين الصحي.. فماذا عن رؤيتهم للمشروع؟.. وما هو وجه المشاركة الذي يمكن أن يشاركوا به في المشروع؟ وكيف يمكن تفعيل المشروع حتى يؤتي ثماره؟ وما هي الرؤى التي يرونها حتى يحقق المشروع نجاحا في تغطية الخدمات الصحية لجميع المواطنين والمقيمين بالدولة؟
أهم أنواع التأمين
وحول أهمية التأمين الصحي وتطبيقه في المجتمع يؤكد الدكتور عبدالعظيم عبدالوهاب المدير الطبي للمستشفى الأهلي أن التأمين الصحي يعتبر أحد أهم أنواع التأمين وأكثرها ارتباطاً بافراد المجتمع ومنظماته وذلك نتيجة لما له من اثر ايجابي في توفير الامان، الادخار، حماية الاسرة، الوقاية من الامراض ومساهمته في التنمية الاقتصادية حيث تنبع اهمية التأمين الصحي من عدة عوامل اجتماعية واقتصادية أهمها : التأمين الصحي ودوره في شعور الفرد والمجتمع بالامان - نظراً للاهمية الحيوية للرعاية الطبية بالنسبة لسعادة الفرد والاسرة وبالنسبة لتقدم المجتمع ورفاهيته، الارتفاع الكبير والمستمر في كلفة الرعاية الطبية الحديثة بسبب انها اصبحت فوق القدرة المالية لغالبية الافراد والاسر والتي يصل تأثيرها في بعض - الحالات المرضية الى لجوء الفرد لبيع كل ما يملك والاستدانة في سبيل العلاج - عدم امكانية التنبؤ بحدوث المرض او كلفته على مستوى الفرد والاسرة مما يجعل من الصعب اتخاذ الاجراءات الضرورية نحو موازنة الدخل لتغطية هذه التكاليف - مساهمة التأمين الصحي في تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي لفئات العمال والموظفين والتخلص من مظاهر القلق الممكن حدوثه نتيجة لعدم توافر الاساليب المناسبة للعلاج.
وأوضح د.عبد العظيم أن التأمين الصحي له دوره في الوقاية.. مشيرا إلى الاهتمام بالمفاهيم الصحية الوقائية والتركيز عليها حيث ان احد الاهداف التي يقوم عليها التأمين هو الوقاية والحفاظ على الصحة من خلال الاهتمام بالجانب الوقائي والعلاج المبكر مما يؤدي الى ارتفاع المستوى الصحي وهبوط معدلات المرض وتخفيض النفقات العلاجية الباهظة.. اضافة إلى كل ذلك فإنه من حيث المساهمة في توفير موارد مالية لتمويل نفقات القطاع الصحي الباهظة التكاليف، وبالتالي تقليل الاعباء على الميزانية العامة للحكومات والمؤسسات والشركات والافراد المسؤولين عن علاج العاملين لديهم التأمين الصحي ودوره الفاعل في عملية الادخار.
وأكد المدير الطبي للمستشفى الأهلي أن قانون التأمين الصحي سيؤدي إلى رفع مستوى الرضا الوظيفي والاطمئنان الاجتماعي لدى الفرد، وتحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة، وكذلك الحث على مزيد من التنويع والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية.. خاصة وأن القطاع الخاص سيكون شريكا أساسيا في تطبيق هذا القانون، والذي سوف يوفر نظاما صحيا متكاملا لجميع المواطنين والمقيمين على أرض قطر.
تغطية كاملة
ومن جانبه أشار الدكتور حسن العبدالله مدير مجمع حسن العبدالله الطبي إلى أن فوائد التأمين الصحي تكمن في تغطيته جميع الأطراف ذات العلاقة، فبالنسبة للمؤمن عليه (سواء كان موظفاً أو عاملاً أو طالباً أو غير ذلك) فإنه مع زيادة كلفة الخدمات الصحية أصبح المرض الذي يهدد كل واحد منا لا يشكل هماً لما يحمله من معاناة جسدية بقدر ما يرافقه من أعباء مالية ينوء بحملها جزء كبير من المرضى، فالتأمين الصحي يكفل الاطمئنان الاجتماعي لدى الموظفين والعمال، لا سيما اذا كان التأمين الصحي شاملاً للموظف ولمن يعول كما يعزز التأمين الصحي ويوثق العلاقة بين الموظف أو العامل وزملائه، عندما يشعر كل فرد منهم بأن زملاءه ساهموا في تحمل أعباء العلاج عنه بالأقساط التي يدفعونها بجوار ما تدفع عنهم جهة العمل. وبالتالي عند تطبيق التأمين الصحي لن يعود الموظف (أو العامل) بحاجة للتزلف والمحاباة لهذا وذاك حتى يتمكن من الحصول على حقوقه بالمعالجة السليمة المنصفة، فالمعالجة سترتبط بوجود المرض أو عدمه وليس بمقدرة المرء على الاقناع واختلاق الأعذار والأمراض التي غالبا ما تكون مفتعلة. وأوضح بأن التأمين الصحي سوف يساعد أيضا في تحقيق الرضا الوظيفي لدى الموظفين والعمال وتعزيز ارتباطهم بجهات عملهم وشعورهم بأن جهة عملهم لا تعنى فقط بما يقدمه العاملون لجهة العمل، انما تهتم أيضاً بأوضاعهم الصحية والاجتماعية. كما أن بعض دول الجوار بدأت تعمل بالتأمين الصحي وهو في النهاية قانون من المؤكد انه سيحفظ حقوق الجميع خاصة لأولئك العمال بالمنطقة الصناعية والتي لاتتوافر لهم الرعاية الصحية الكافية وهم غير قادرين على تحملها، وبالتالي يأتي التأمين الصحي ليغطي تكلفة بعض العلاجات التي لا يقدر عليها المقيم بحكم محدودية دخله الشهري وارتفاع تكلفة العلاج نفسه في القطاع الطبي.
توعية الجمهور
من ناحية أخرى طالب د.أسامة حسنين رئيس قسم التـأمين الصحي بمستشفى العمادي بضرورة توعية الجمهور بأهمية التامين الصحي والخدمات التي يقدمها التأمين والجوانب التي يغطيها والكيفية المثلى للاستفادة من خدماته التي توفرها بعض شركات القطاع الخاص لموظفيها. وقال د.حسنين: ان شريحة كبيرة من حاملي بطاقات التأمين الصحي لا يعرفون تماما كيفية الاستفادة من بطاقة التأمين الصحي ويظنون انه بمجرد حملهم لهذا البطاقة فإن كل العلاجات التي قد يحتاجونها متوافرة، الأمر الذي يصيبهم بالاحباط عند اكتشاف عدم صحة ذلك.
وأشار الى أن المريض يعتقد سلفا أن جميع الخدمات الصحية مغطاة تأمينيا ولا يعرف أن هناك الكثير من تلك الخدمات لا يشملها التأمين مثل العمليات التجميلية والعقم والأمراض الجنسية وكذلك حالات الاعاقة والتشوهات الخلقية وكبار السن، وكذلك خدم المنازل، لافتا الى ثغرة مهمة جدا غالبا ما تواجه بعض المقيمين والمتمثلة في أن هناك بعض المؤمن عليهم الذين يتم إنهاء خدماتهم من قبل شركاتهم وبالتالي عدم تغطيتهم صحيا وهؤلاء قد يبقون في البلاد لمدة معينة دون تأمين صحي.. فما هو الاجراء الذي يجب اتباعه مع هؤلاء ومن يكون مسؤولاً عن تغطيتهم صحيا، كاشفا عن أن بعض شركات التأمين الخاصة بدأت بعمل برنامج لصرف أدوية الأمراض المزمنة بشكل دوري مباشرة من الصيدلية ودون الحاجة الى مراجعة الطبيب شهريا لصرف الدواء.
وأكد د.حسنين ضرورة أن تكون هناك جهة رقابية على عمل شركات التأمين تراقب مدى التزام تلك الشركات ببرامجها حماية لحقوق المرضى المؤمن عليهم وضمانا لجودة الخدمات المقدمة، ومتابعة السياسات والبرامج التي تتبعها تلك الشركات.
وأشار د.حسنين الى أن أهمية التأمين الصحي تنبع من دوره في تمكين المريض من الحصول على أرقى الخدمات الطبية التي يريدها وفي المكان والزمان الذي يريده بعيدا عن أي فروقات بحيث يمتلك الجميع هذا الحق دون استثناء، لافتا الى أن التأمين سلاح ذو حدين حيث ان التأمين يوفر حرية للمرضى باختيار الجهة التي يريدون تلقي العلاج عندها ويقلل من التكلفة التي يتحملها المريض الى جانب ميزات أخرى كثيرة كتخفيف الضغط عن مستشفيات القطاع الحكومي خاصة تلك الأقسام التي تشهد ازدحاما كبيرا كما هو الحال في قسمي الطوارئ والأسنان، في حين أن السلبيات ستشمل فئة محددة من غير الموظفين الذين لا يملكون مصدر دخل وبالتالي فهم غير قادرين علي شراء التأمين الصحي كما هو الحال بالنسبة للأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة حيث ان التأمين الحالي لا يغطي تكاليف اعادة تأهيلهم مطالبا بضرورة اعفاء هذه الشريحة من ضريبة التأمين الصحي.
ورأى د.حسنين أن توفير قانون للتأمين الصحي سيؤدي الى رفع مستوى الرضا الوظيفي والاطمئنان الاجتماعي لدى الفرد، وتحسين مستوى الخدمات الطبية المقدمة من خلال توفير مصادر مالية ثابتة ومستمرة، وكذلك الحث علي مزيد من التنويع والمنافسة في تقديم الخدمات الطبية. حيث أصبحت قطر محط أنظار دول العالم عامة والمنطقة خاصة وبالتالي فإن ما تقوم به الدولة على جميع الصٌّعد يتناسب والمكانة المرموقة لدولة قطر، وما اقرار التأمين الصحي المتوقع قريبا الا خطوة كبيرة في هذا الاتجاه،. حيث سيؤدي اقرار التأمين الصحي الى ازالة العائق المالي بين المريض وحصوله على الخدمة الطبية.
فوائد جمة